منظومة الإدارة الحديثة

بغية الحفاظ على ما حققه انسان اليوم من تقدم مادي كانت الدعوات و لا تزال تنادي بإنشاء نظم ذاتية الإدارة أي لا تعتمد على شخصيات بعينها اثناء تشغيلها و تطويرها. بدأت منذ ظهور مصطلح ما اسماه آدم سميث “يد السوق الخفية” و هو مجموع العوامل المحركة للسوق و التي تتأثر بمختلف الغيرات و التي يصعب التحكم بها كلها. و عليه أيضا ظهرت الرغبة في انشاء نظم مشابهة علمية و ادارية و طبية اطلق على جدول اعمالها مسمى البروتوكولات و هي مخطط عملي تفصيلي يوضح مسار العمل في كل الحالات المتوقعة بعد دراستها دراسة منهجية. و الواقع يشهد على نجاح نظام البروتوكول في الحفاظ على النمط العام و السماح بالتطوير و الادارة المركزية و لكن كان ذلك على حساب صناعة قفزات كبرى في العلم و الصناعة و الفكر
كما ازلفت فإن نظام البروتوكول يساعد في الحفاظ على النظام أكثر من تطويره بالشكل الذي يحدث تغيرات تطويرية واضحة، و يظهر هذا الحفاظ عن طريق توزيع المهام الصغيرة لكل موظف عتلى حدة حتى يتمكن من اتقانها بأقل عدد من الأخطاء و لتكون ردود فعله على المواقف المختلفة متفقا مع النظام لأبعد درجة فيزيد عدد الموظفين و تزيد التخصصات و تصبح مسأله التطوير خاضعة لموافقة تخصصات عديدة يجب تنسيق الاتصال فيما بينها و الذي قطعا سيزداد تعقيدا كلما زاد عدد هذه التخصصات 
و لإدارة هذا العدد الهائل من الموارد البشرية فإن النظام الاداري يقتضي توزيع الصلاحيات و المسؤليات كل على حسب تخصصه على أن يتم الحفاظ على تراتبية السلطة بالرجوع الى المسؤول الأعلى في كل مرة لأخذ موافقته في مختلف الأحوال الإدارية و بالتالي تكون المسؤلية و الصلاحيات موزعة و عليها فإنه لابد من تكوين لجان مختلفة لتنسيق العمل و متابعة المسؤليات. و تكمن نقطة الضعف أنه عند حودث فساد في نقطة ما فإنه من الصعب متابعتها و معرفة المتسبب لأن العمل أصبح له يد خفية تسير شؤونه و غالبا ما تنتهي بوضع اللوم على أحد أعضاء الشبكة ككبش فداء و هنا تصبح الحاجة ملحة لإنشاء ذراع قانوني هدفه متابعة القضايا و البحث عن مذنب عند حدوث أي مشكلة و كأن لسان حالهم يقول لابد من شخص أخطأ فالنظام خالي من الأخطاء أو لنقل لا يتحمل الأخطاء و بالتالي يصبح الموظف مجرد كيان ميكانيكي و ترسا في آلة يطلب منه تطبيق البروتوكول بغض النظر عن موافقته للظروف الانسانية أو موافقته للطبيعة 
هذا السيناريو هو بالضبط ما يحدث في اكثر النظم الادارية في العالم سواء كانت حكومية او اهلية او عسكرية على الرغم من اختلاف وسائل المراقبة فيما بينها و هو ما يصنع الفرق في مخرج هذه المؤسسات. كما و ان اختلاف النظام  الاجتماعي و توفر العدالة يؤدي قطعا الى تغير هائل في مخرجات هذه الانظمة فعلى سبيل المثال نجد ان الدول الاوروبية اجمالا تمتلك المرونة و الامانة في ادارة النظمة بعكس الدول العربية و ذلك بكل تأكيد عائد الى شعور الأفراد بأنهم بذلك يسيرون انفسهم نحو الأفضل في ظل وجود عدالة اجتماعية بنسبة كبيرة. 
هنا يبرز تساؤل هام، كيف السبيل الى الاصلاح في بلدان العالم الثالث عموما و بلادنا خصوصا؟ يرى الكثير بأنه يكمن في تحقيق العدالة الاجتماعية و هذا صحيح و لكنه جزء من الحل، و الموافقة عليه تقتضي بأننا نريد أن نجعل أنفسنا نسخة من التطبيق الإداري الوروبي و بالتالي نجلب لأنفسنا حسناته، و مساوئه!!!!! أيضا 
عودة لنا الى ما كتب في اول المقال ادى كل ذلك الى صناعة نموذج ذاتي الادارة و العمل من الصعب أن يتأثر بالأفكار فهو ببساطة نظام محبوس في صندوق الأفكار الحالية يصعب عليه الخروج خارجها و صناعة نظريات ثورية جديدة. الطب و الاتجاه العلمي يسران بنفس الوتيرة ايضا، و انظر الى تخصصك ايا كان لتجده ايضا على نفس الأسلوب. و لو اردنا ان نتظور النظام بنفس طرائقه فإننا سندخل في حلقة مفرغة من تحويل الأوراق و سماع الآراء و الخوف من التوقيع بسبب التشديدات القانونية لمنع حدوث الأخطاء كما ذكرنا 
ان المنظومتين الرأسمالية و البيروقراطية ليسا سوى توأمين خرجا من رحم واحد و هو الانتاجية المادية و الذي يقتضي بأن الهدف الانساني الأعلى هو صناعة الانتاجية المادية و اله السبيل لصناعة الجنة الموعودة على الأرض بسواعد العلم. و هو ما بشر به فرانسيس بيكون و نظر له فيما بعد ادم سميث عن الرأسمالية و ماكس ويبر عن البيروقراطية 
و تبقى الانسانية بعيدة عن مسرح الصراع لأنها حجر عثرة في طريق الانتاج، فهل سيشهد العالم منظومة فكرية تأخذ الانسان و الطبيعة بعين الاعتبار؟ كيف السبيل الى الحفاظ على انسانيتنا؟ إن الطريقة الوحيدة لإحداث التغيير في النظام الاداري هي بإمساك مفاصله و تشخيص مشاكلها و إعادة بنائها في منظومة جديدة تأخذ التالي بعين الاعتبار 
اعتبار وحدات معالجة المعلومات (الموظف) انسانا و ليس ترسا في آلة 
تعطي الانسان المفكر حقه في احداث التغيير الكلي 
عدم تعطيل العمل الأساسي 
رفع كفاءة الموظفين 
الالتزام بالمعايير الأخلاقية و الاعتراف بأهمية الخطأ كعامل تطويري 
و اخيرا اتباع قاعدة لا ضرر و لا ضرار
الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s