اذا كان الله موجودا فلماذا هناك شر في العالم؟
كثيرا ما يطرح هذا السؤال في هذه الأيام، حيث الشباب يسألون عن موروثهم الذي نشأوا عليه. و لماذا يتقاتل المسلمون فيما بينهم بينما الدول الأوروبية تعيش في سلام و رفاهية نسبيين بالنسبة للفقر و البؤس و الاحباط و الفساد السياسي الذي نعيشه في بلداننا العربية؟
حجة الشر، هذا هو الاسم الذي اكتسبه السؤال المطروح، و إذا كان الله كلي القدرة و الرحمة فلم هناك المآسي في كل مكان، و لِمَ لَمْ يعد الدين رحمة على معتنقيه؟ للخوض في الموضوع و الاجابة عن هذا التساؤل سنبحث عن: ما هو أصل هذا السؤال و هل نحن مسيرون أم مخيرون و ما هو مصدر الشر.
يعود السؤال في أصله إلى اعتقادين:
الأول اعتقادنا أن الأصل في الأشياء هو الخير و أن الخير هو ما نظن أنه صحيح. فكل ما لا يؤلم و يريح و يشبع البطن و يشيع الإنسانية و يحقق العدالة و ينعش الإنسان و يزيل التعب و المخاوف هو خير. و لكن هل يمكن الحكم على الأشياء دوما بهذه البساطة. على سبيل المثال يعاقب الوالدين ابناءهما لمصلحتهم، هنا يصبح ما يظهر أنه شر خيرا، و لكن لا يمكن أن يراه إلا شخص خبير أو عرف الفكرة. هنا يصبح إدراك الشر و الخير مرتبطا بالمعرفة.
و الاعتقاد الثاني يرجع في أصوله الى المسيحية التي تصور الله كلي الرحمة و الود و العطف على عباده فهو يصفح عنك بمجرد قبولك بالمسيح و اعترافك بالخطأ و لو كنت قتلت نصف العالم. هذا التصور صنع تناقضا عند الأوروبيين الذين رأوا أن القوي الجبار هو من ينتصر و أن الفوضى و الكوارث تملأ العالم و ليس هناك مجال للرحمة كما يقول نيتشة.
المحور الثاني هو أن من يسأل هذا السؤال يطالب بشكل غير مباشر بأن يتدخل الله بنفسه لإزالة الظلم من هذا العالم. حينذاك هل سنكون أحرارا و لنا حق الاختيار؟ صحيح أننا لا نتحكم في الظروف من حولنا و لكن حياتنا ملأى بلحظات الاختيار الحر. لكي تجعل من أمامك يبتسم أو يحزن هو في الغالب اختيارك الخاص. و هذا سيقودنا الى المحور الثالث.
الشر و الخير هو اختيارنا المحض. فكما يظهر في الصور تعاسة الشعوب بسبب ظلم الحكام، و نحن من جلبناهم الى السلطة بسكوتنا أو بتواطئنا، و جشع الرأسماليين هو من يحطم افريقيا و ينشر فيها الجهل و المرض و الفقر، و تعطش رجال الدين للسلطة هو من يجعل الأديان تتحارب كما حصل في اوروبا بين الكاثوليك و البروتستانت و يحصل الان بين المسلمين. و كما يقول الدكتور رياض الحيا نحن نميل الى القاء المسؤولية إما على (الله) أو على (التاريخ) أو حتى على (الشيطان) حتى لا نتحمل (نحن الجيل الحالي) أي مسؤولية تجاه محاربة الظلم و الفساد.
و المحصلة أن هذا السؤال لا ينفي أو يثبت وجود الله تعالى بل يجعلنا نضع أنفسنا موضع المسؤولية تجاه أنفسنا و العالم، بل على العكس يجعلنا ندرك أننا جزء من منظومة دقيقة لها قوانينها و ليست موجودة أبدا بالمصادفة.
و كختام الشر و الخير ليسا مطلقين و هما نتيجة أفعالنا و نحن و الله سبحانه و تعالى مثل مهندس بنى مدرسة استخدمها الطغاة كمركز للتعذيب. لتكتمل الصورة لابد من اشتمال المحاور على طبيعة الأخلاق. قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41] صدق الله العظيم.